الصفحة الرئيسية > تناقض فكري أم مجرّد صدفة > العمل التطوعي.. عطاء أم منـّة؟

العمل التطوعي.. عطاء أم منـّة؟

1164581211

تستوقفني اليوم ظاهرة العمل التطوعي، والتي باتت في هذا الوقت من ألمع المظاهر الانسانية وأكثرها اجلالا. لا تستوقفي الظاهرة بحد ذاتها و إنما يستوقفني مفهوم العمل التطوعي في بلادنا بشكل أكبر.

كما يعلم الجميع، فإن العمل التطوعي هو نشاط أو جملة من النشاطات المجانية، فردية كانت أم جماعية، المكرسة للخدمة الإنسانية بالدرجة الأولى والتي توسعت دائرتها لتشمل كل مناحي الحياة بالمعنى الواسع جداً للكلمة. و قد عرفه الإنسان تحت صيغة التعاون المشترك و تناغم مع وضعه الاقتصادي والاجتماعي في مرحلة الصيد والالتقاط المبكرة ومن ثم في مرحلة الزراعة، ليصل في عصر الثورة الصناعية و الثورة الاشتراكية إلى قمة مراحله التنظيمية. من هنا فالعمل التطوعي ليس غريباً علينا وليس هو الآخر مستحضر غربي يقدم إلينا على طبق الحضارة الغربية. إن نظرة سريعة إلى إحدى مواسم الحصاد في ريفنا لكافية لتعطينا فكرة عن حضور هذا المفهوم في ثقافتنا وإن تراجع جداُ عما كان عليه من ذي قبل.

لكن مع الضائقة المادية والثقافية، وروح التخلف المعشعشة في عقليات وأدبيات التعليم في مجتمعنا التي تزرع في عقول الصغار قبل الكبار مفهوم العمل التطوعي كعمل اجباري أو كواجب بدون التطرق إلى المفهوم الانساني. فأنا شخصياُ في أحد معسكرات (شبية الثورة) لم أكن أشعر وأنا أُسُاق مع مجموعة من الطلاب الآخرين لتنظيف حوض نهر بردى، إلا بشعور المساق إلى عمل سخرة مهين، والذي كان من المفروض له أن يحمل كل معاني العمل التطوعي لفتية في مقتبل العمر، فمن كلمة المشرف يتبين لك أنه عمل سخرة فهو يقول: عليكم بتنظيف النهر اليوم! دونما شرح لماذا النهر وسخ، لماذا ننظفه ومذا يعني مثل هكذا عمل؟!. أعتقد أنه نفسه لم يكن يعلم لماذا علينا تنظيف التهر!

من جانب آخر، نرى أن مفهوم العمل المدفوع الأجر له طابع غريب. فأنت عندما تقبض راتبك أو تأتيك زيادة أو علاوة، فإنها تفدم إليك كمنة لا كحق. لعمري هذا يذكرنا بعصر الاقطاع عندما كان الفلاح المسكين يكد ويشقى كل فترة السنة، وفي آخرها يمن عليه الاقطاعي بما يريد ويكون الفلاح شاكراً ممتناً عظيم الامتنان. لسنا بأحسن حال من تلك الأيام الغابرة بالرغم من كل ثوراتنا وانتفاضتنا على ذاك الواقع، فنحن لازلنا نقول: (لحم كتافنا من خيرو). بمثل هذه العقلية المتخلفة لا أظن أن مثل هكذا مجتمع بقادر على فهم العمل التطوعي المجاني دونما اعتباره منة أو واجب!

إن العمل التطوعي بحد ذاته يتطلب القدرة العالية على العطاء دونما منة أو انتظار مقابل. إنه لشكل من أشكال الحب فهو يعطي ولا يكترث بالرد, يهب لا لشيء سوى حباً فالمتطوع يجد ذاته في هذا العطاء, تمتلكه نشوة الوجود حينما يرسم ابتسامة على وجه إنسان, أو عندما يحرر شارعاً من أوساخ الزمان. لا يمكن لنا أن نحب بدون عطاء, ولا يمكن أن يكون هناك عطاء بلا حب. كيف لانسان أن يقبل على دمشق محباً معجباً هائماُ بسحرها ملقياً بها أشعاراً, فيعبث فيها وسخاً و يتملص من أي مبادرة تطوعية لرسم ابتسامة على خدها المجعد. لعمري حتى الحب لدينا لمشوه!

مثل ذلك العطاء يتطلب إيماناً بالذات وبمقوماتها وبمهاراتها الشخصية لتوظيفها في العمل التطوعي، من هنا نستقرأ اجهاض وأحياناً وأد لكل المحاولات الجدية للعمل التطوعي. فليس فقط الجهل الكامل لمفهوم العمل التطوعي هو السبب، فالجهل بالقدرة الذاتية هو المصيبة الأكبر. فإنساننا المقهور المغلوب على أمره و المتواري خلف صعوباته وعراقيل هموم حياته والمتباهي بجبنه, يخلق حساً سلبياً من اللامبالاة منقطع النظير.

في خضم هذه المعمعة الكبيرة تنبثق روح التطوع والمبادرة للعديد من الأشخاص، لكن القليل منهم ينجو من سهام الاحباط المسمومة الموجه من مجتمعنا متمثلة بالجهلة وحتى بالمثقفين المسطحي العقول الذي يرمون أصابع الاتهام والتشكيك إلى أي مبادرة تطوعية، ناهيك عن غياب مطلق للأنطمة والقوانين الناظمة والمعرفة بالأعمال التطوعية.

أخيراً, إن العمل التطوعي ليس نخوة المبادرة وحس بالواجب منبثق من مفاهيم دينية واجتماعية وحسب بل إنه أيضا عمل مدروس ومنظم يتطلب بادئ ذي بدء فهم وادراك كامل للمهارات الشخصية، وحب لا بل شغف بعمل ما يدفع المرء لتوظيف كل طاقاته لخدمته وخدمة الحياة بكل مناحيها الاجتماعية والثقافية و البيئية، و تقديم عطاء دونما منّة أو انتطار أجر ماديا ً كان أم معنويا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                  

مقالات متعلّقة:

   – إيجابية… سلبية!

   – لأنّ البلد بلدك..!

   – سورية: الحسناء المظلومة… 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. 11/09/2009 عند 7:21 مساءً

    هلأ بداية ً خليني قول أنـّو نحنا ما عنـّا منظوم للعمل ليكون عنـّا منظوم للعمل التطوعي .. اضافة للمسؤوليه المفقودة ..
    كل عمل يحتاج الى تنظيم من نوع ما و التنظيم هو شبكه من الترتيبات و توزيع المسؤوليات .. لكن اللي بصير غالبا ً انـّو “أنا عم اشتغل ببلاش و بدك تجي تعلمني شو أعمل ؟” هي ردة الفعل الأولى اللي ممكن تسمعها اذا شخصين اختلفوا حول أمر ما بتنظيم العمل التطوعي .. “ما انت متلي متلك ليش لانت تقلي شو اعمل “؟ و ما الى ذلك من معتقدات حول (مين الراس الكبير ) و مين بدو يخبر مين شو يعمل ..
    و يبدأ الخلاف و منه تبدأ المنيـّه و العوض بسلامه العمل التطوعي !!

  2. 11/09/2009 عند 8:36 مساءً

    كلام جميل… أعتقد أننا نفتقد إلى المنظمات المدنية التي تقووم بالأعمال الطوعية .. مثلا منظمات مهتمة بالبيئة ينضم إليها مهتمو البيئة وأخرى مهتمة بالنظافة وثالثة مهتمة بالمعاقين ..إلخ … لأن العمل الطوعي يحتاج إيمان الفرد وسعادته بما يعمل…بلشت هي الجمعيات ولكن بدها فترة لحتى تكتسب خبرة وثقة…

    بعدين العمل الطوعي بدو ثقافة … يعني لحد الآن عنا ثقافة الشغل عيب ولولا الحاجة ما حدا بيشتغل….. ومثلنا الأعلى شب مع بي إم وأركيلة ودق تركس…
    طيب كييف بدك هيك عالم تشتغل ببلاش…

    شي تاني العمل الطوعي بدو إحساس بالوطن والمواطنة … وما بيزبط بحارة كل مين إيدو إلو … بعدين بدك يقولوا عننا دراويش…

    وحلها إذا فينك تحلا… 

  3. tareef
    12/09/2009 عند 12:07 مساءً

    تدوينة جيدة بحق …. دعوني ألخص معوقات العمل الطوعي

    تموز : “فليس فقط الجهل الكامل لمفهوم العمل التطوعي هو السبب، فالجهل بالقدرة الذاتية هو المصيبة الأكبر.”

    سومر : “شي تاني العمل الطوعي بدو إحساس بالوطن والمواطنة … وما بيزبط بحارة كل مين إيدو إلو … بعدين بدك يقولوا عننا دراويش…”

    تلخيصاً :
    غياب ثقافة العمل التطوعي + الجهل بالذات وقدراتها + إنخفاض الشعور بالإنتماء لهذا الوطن لأدنى مستوياته + غياب المؤسسات الأهلية المنظمة التي تحوز على الثقة وتستوعب طاقات الشباب = إختفاء العمل الطوعي ومظاهره

    أعتقد أن تلك هي أهم الأسباب، وأرى أن أهمها غياب حس الإنتماء …
    سلام

  4. تمّوز
    13/09/2009 عند 12:56 مساءً

    طباشير…
    بعتقد أنو عنا منطومة للعمل, لكن المشكلة متل ما تفضلت هي العقلية والمفهوم الاجتماعي المتدهور ع جميع الصعد, تنبع منها تصرفات الفوقية الممتلئة بعقد النقص….

  5. تمّوز
    13/09/2009 عند 1:00 مساءً

    سومر…
    حطيت ايدك ع الجرح…
    نحتاج لثقافة العمل التطوعي وللاحساس بالمواطنة….
    مع الاسف هما معدومان لدينا, لدرجة اظن احيانا ان السوري قادر عن التخلي عن هويته كسوري بسرعة…. فمن اين سيأتيه احساس ببلد ينكره بأي لحظة!

  6. تمّوز
    13/09/2009 عند 1:06 مساءً

    شكراً
    اعود هنا لنفس الموضوع
    نحن يا أصدقاء فقدنا الانتماء, أظن أنه لا يوجد أي احساس بالانتماء ولا حتى للذات نفسها…
    شعب رفض نفسه تراه يثور ولا يعلم لما يثور, لعمري إني أراه يتقيء نفسه يوم بعد يوم…
    في خضم كلهذا المستنقع من القاذورات تنبت ورود بلا عطر و لكنها تقاوم من اجل البقاء كوردة…

  7. أبو أنس
    14/09/2009 عند 6:28 مساءً

    تدوينة جميلة حقاً

    نحنا عنا منظومة العمل التطوعي موجودة على الاقل في عنا الهلال الاحمر والصليب الاحمر في عنا كمان جمعية بسمة كلون تطوع وانا مطوع بوحدة منهم

    ومتل ما قال تموز ( لعقلية والمفهوم الاجتماعي المتدهور ع جميع الصعد, تنبع منها تصرفات الفوقية الممتلئة بعقد النقص )

  8. 17/09/2009 عند 5:49 مساءً

    حبيتا للتدوينة
    العمل التطوعي .. كنت حابة من فترة اكتب عنو .. وما كنت عم اتحفز
    شكرا ً لأنك عطيتني الحافز
    انشالله هالكام يوم

  9. تمّوز
    17/09/2009 عند 5:54 مساءً

    شكراً
    , نحن بانتظار تدوينتك ….

  10. 28/01/2010 عند 11:10 مساءً

    تشكرات على
    ماتقولينه فهو صييح بكل ابعاده ويجب ان نعي مسؤلياتنا تجاه الاجيال القادمة بتصحيح مفهوم عمل التطوع ورؤية وعيش جمالية هذا العمل

  1. 22/09/2009 عند 1:59 صباحًا
  2. 07/10/2009 عند 12:08 صباحًا
  3. 06/12/2010 عند 1:16 مساءً

أضف تعليق